الإمارات تدخل بقوة سباق الحوسبة الكمّية عبر شراكة استراتيجية مع “كوانتينوم”.

في خضم سباق عالمي محتدم بين الدول والشركات العملاقة للسيطرة على مستقبل التكنولوجيا، اتخذت أبوظبي خطوة استراتيجية هامة. حيث أبرم معهد الابتكار التكنولوجي (TII)، وهو الذراع البحثية التطبيقية لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي، اتفاقية شراكة مع شركة “كوانتينوم” (Quantinuum)، الرائدة عالميًا في مجال الحوسبة الكمّية. وبالتالي، لا تهدف هذه الشراكة إلى مجرد إجراء أبحاث متقدمة، بل هي إعلان واضح عن نية دولة الإمارات في أن تكون لاعبًا رئيسيًا ومؤثرًا في الثورة الكمّية القادمة، التي ستعيد تشكيل كل شيء من حولنا.

الإمارات تدخل بقوة سباق الحوسبة الكمّية عبر شراكة استراتيجية مع "كوانتينوم".

جوهر الاتفاقية: الوصول إلى قوة “Helios” الحاسوبية

تمنح هذه الاتفاقية باحثي معهد الابتكار التكنولوجي وصولًا مباشرًا وحصريًا إلى أنظمة الحوسبة الكمّية الأكثر تقدمًا في العالم التي تطورها “كوانتينوم”. والأهم من ذلك، يشمل هذا الوصول النظام القادم الذي يحمل اسم “Helios”. هذا الحاسوب ليس مجرد تحديث عادي، بل يُتوقع أن يقدم تحسينات هائلة في “كفاءة البوابات الكمّية”، أي تقليل الأخطاء في العمليات الحسابية، و”تواصل وحدات الكيوبت”، أي القدرة على إجراء عمليات أكثر تعقيدًا. لذلك، سيتمكن الباحثون في أبوظبي من اختبار خوارزمياتهم وتطويرها على واحدة من أقوى المنصات الكمّية في العالم، مما يمنحهم أفضلية تنافسية كبيرة.

استراتيجية أبوظبي الذكية: تنويع الاستثمارات الكمّية

تُعد هذه الاتفاقية جزءًا من استراتيجية أوسع وأكثر ذكاءً يتبعها معهد الابتكار التكنولوجي. فالمركز لا يراهن على تقنية كمّية واحدة فقط، وهو ما يفعله الكثيرون. بل يتبع نهج “المحفظة المتنوعة”. فهو من ناحية، يطور رقاقات كمّية فائقة التوصيل داخليًا في مختبراته بأبوظبي. ومن ناحية أخرى، يستخدم تقنيات “الأيونات المحتجزة” من شركات رائدة مثل “كوانتينوم” و “IonQ”. بالإضافة إلى ذلك، يستكشف تقنيات أخرى من شركات مثل QUERA و Rigetti عبر منصات الحوسبة السحابية. ونتيجة لذلك، تضمن هذه الاستراتيجية الحكيمة أن أبوظبي لن تتخلف عن الركب بغض النظر عن التكنولوجيا التي ستثبت تفوقها في النهاية، مما يسرّع من وتيرة الابتكار.

مجالات بحث ستغير مستقبلنا الذي نعرفه

تركز الشراكة على استخدام الحوسبة الكمّية لحل مشكلات مستعصية على أقوى الحواسيب الخارقة التقليدية اليوم. ومن أهم هذه المجالات:

  • الكيمياء وعلوم المواد: ببساطة، سيتم استخدام الحواسيب الكمّية لتصميم مواد جديدة كليًا بخصائص فريدة على المستوى الذري. على سبيل المثال، يمكن استخدامها لمحاكاة وتطوير محفزات جديدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكفاءة، أو تصميم أدوية أكثر فعالية تستهدف الأمراض بدقة، أو ابتكار بطاريات تدوم أطول وتشحن أسرع.
  • حل المشكلات المعقدة (التحسين): هناك فئة من المسائل، مثل إيجاد أفضل مسار لآلاف من شاحنات التوصيل لتقليل استهلاك الوقود، أو تحسين المحافظ الاستثمارية لزيادة العائد وتقليل المخاطر، أو جدولة رحلات الطيران لشبكة عالمية. هذه المشكلات تعتبر مستحيلة حسابيًا. ولكن، يمكن للحوسبة الكمّية أن تجد الحلول المثالية لها في وقت قصير.
  • تكامل البيانات والذكاء الاصطناعي: يعمل الباحثون أيضًا على إيجاد طرق فعالة لترميز البيانات التقليدية (مثل الصور الطبية أو البيانات المالية) داخل الحالات الكمّية. وهذا سيفتح الباب أمام تطوير نماذج ذكاء اصطناعي كمّية بقدرات تعلم وتحليل تفوق بكثير النماذج الحالية.

الأثر الاستراتيجي: بناء اقتصاد معرفي وسيادة تكنولوجية

لا تقتصر أهمية هذه الشراكة على الجانب البحثي فقط. بل تمثل حجر الزاوية في جهود أبوظبي لبناء اقتصاد معرفي مستدام. فالهدف ليس فقط نشر الأبحاث، بل تحويل هذه الأبحاث إلى براءات اختراع، ومن ثم إلى شركات ناشئة، وخلق وظائف عالية المهارة. بالإضافة إلى ذلك، تهدف هذه الخطوة إلى تحقيق “السيادة التكنولوجية”، أي امتلاك القدرة على تطوير وتشغيل هذه التقنيات الحيوية محليًا، مما يعزز من مكانة الدولة الاستراتيجية.

الخلاصة: رهان واثق على المستقبل الكمّي

في الختام، تؤكد أبوظبي من خلال هذه الشراكة مجددًا على التزامها بقيادة المستقبل التكنولوجي. فهي لا تستثمر في الحاضر فقط، بل تبني أساسًا متينًا للمستقبل. ومن خلال تمكين باحثيها وتطوير كوادرها، تضمن دولة الإمارات أن تكون لاعبًا مؤثرًا ورئيسيًا في الثورة الكمّية القادمة التي ستغير العالم.

Scroll to Top
×